كشف أسرار نماذج لغة البروتينات: نحو فهم أعمق للعمليات البيولوجية
مقدمة
شهدت السنوات القليلة الماضية تطوراً ملحوظاً في نماذج التنبؤ ببنية ووظيفة البروتينات، مستفيدةً من تقنيات نماذج اللغات الكبيرة (LLMs). وقد وجدت هذه النماذج تطبيقات واسعة في مجالات حيوية متعددة، مثل تحديد أهداف الأدوية وتصميم أجسام مضادة علاجية جديدة. على الرغم من دقة هذه النماذج في التنبؤ بملاءمة البروتين لتطبيق معين، إلا أن آلية عملها الداخلية ظلت لغزاً محيراً. فقد افتقر الباحثون لفهم واضح لكيفية قيام هذه النماذج بتحليل خصائص البروتين واتخاذ قراراتها.
دراسة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: فك شيفرة “الصندوق الأسود”
في دراسة جديدة قام بها باحثون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، تم استخدام تقنية مبتكرة لكشف آلية عمل هذه النماذج، وكشف “الصندوق الأسود” الذي يحيط بعملياتها الداخلية. وقد استخدمت هذه الدراسة، التي نشرت في وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم، تقنية “مشفر ذاتي متفرق” (sparse autoencoder) لفهم الخصائص التي تأخذها نماذج لغة البروتين بعين الاعتبار عند إجراء تنبؤاتها.
منهجية الدراسة: استخدام مشفر ذاتي متفرق
تعتمد نماذج لغة البروتينات، مثلها مثل نماذج اللغات الكبيرة الأخرى، على ترميز المعلومات كمجموعة من التنشيطات في “العُقد” داخل الشبكة العصبونية. هذه العقد تشبه شبكات الخلايا العصبية التي تخزن الذاكرة والمعلومات الأخرى في الدماغ. ولكن، يصعب تفسير آلية عمل هذه الشبكات. استخدم الباحثون في هذه الدراسة تقنية “المشفر الذاتي المتفرق” لتحليل هذه التمثيلات.
يعمل المشفر الذاتي المتفرق عن طريق تعديل طريقة تمثيل البروتين داخل الشبكة العصبونية. يتم عادةً تمثيل البروتين بواسطة نمط من تنشيط عدد محدود من الخلايا العصبية (مثلاً 480). يقوم المشفر الذاتي المتفرق بتوسيع هذا التمثيل إلى عدد أكبر بكثير من العقد (مثلاً 20,000). يؤدي هذا التوسع إلى توزيع المعلومات بشكل أفضل، مما يجعل من الممكن تحديد الخصائص التي يمثلها كل عقد بشكل أكثر دقة.
تحليل النتائج: استخدام مساعد الذكاء الاصطناعي “كلود”
بعد الحصول على تمثيلات متفرقة للعديد من البروتينات، استخدم الباحثون مساعد الذكاء الاصطناعي “كلود” (Claude) لتحليل هذه التمثيلات ومقارنتها بالخصائص المعروفة لكل بروتين، مثل الوظيفة الجزيئية، وعائلة البروتين، وموقعه داخل الخلية. تمكن “كلود” من تحديد العقد التي تتوافق مع خصائص بروتينية محددة، ووصفها بلغة واضحة. على سبيل المثال، قد يحدد “كلود” أن عقدة معينة تكتشف البروتينات المشاركة في نقل الأيونات أو الأحماض الأمينية عبر الأغشية، وخاصة تلك الموجودة في الغشاء البلازمي.
أظهر التحليل أن الخصائص الأكثر ترجيحاً للترميز بواسطة هذه العقد هي عائلة البروتين وبعض الوظائف، بما في ذلك العديد من العمليات الأيضية والتركيبية المختلفة.
الاستنتاجات والتطبيقات المستقبلية
يُساعد فهم الخصائص التي ترمّزها نماذج لغة البروتينات الباحثين على اختيار النموذج المناسب لمهمة معينة، أو تعديل نوع المدخلات التي يقدمونها للنموذج، للحصول على أفضل النتائج. بالإضافة إلى ذلك، قد يساعد تحليل الخصائص التي يرمزها النموذج علماء الأحياء على فهم أفضل للبروتينات التي يدرسونها. قد يؤدي هذا النهج في المستقبل إلى اكتشافات بيولوجية جديدة من خلال تحليل نماذج لغة البروتينات الأكثر تطوراً.








اترك تعليقاً