تخطيط رحلات الذكاء الاصطناعي الشخصي: منهج هجين قائم على المُحلّلات
يُعدّ تخطيط الرحلات مهمّةً معقدة تتطلّب مراعاة العديد من العوامل والقيود، بدءاً من وسائل النقل والإقامة وصولاً إلى المواقع السياحية والميزانية المخصصة. وقد حاولت نماذج اللغات الكبيرة (LLMs) مؤخراً تولّي هذه المهمّة، إلا أنّها واجهت صعوباتٍ في التعامل مع المنطق الرياضي واللوجستي المعقّد، بالإضافة إلى القيود المتعددة، حيث لم تتجاوز نسبة نجاحها ٤٪ في تقديم حلولٍ قابلة للتطبيق، حتى مع استخدام أدوات وواجهات برمجة التطبيقات (APIs) الإضافية.
إعادة صياغة المشكلة: نهج مُحسّن
أعادت مجموعة بحثية من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) ومعمل MIT-IBM Watson للذكاء الاصطناعي صياغة المشكلة، معتمدةً على مبدأ أن مشكلات التخطيط هذه تُعتبر في جوهرها مشكلات تحسين ترابطي Combinatorial Optimization، تتطلّب إشباع العديد من القيود بطريقة مُوثّقة. وقد استخدم الباحثون نهجاً هجيناً يجمع بين نماذج اللغات الكبيرة وخوارزميات مُحسّنة وحلّالاً لإشباع القيود (Satisfiability Solver).
إطار عمل مُستخدم سهل: الوسيط الذكي للسفر
يهدف هذا الإطار إلى توفير حلٍّ عمليّ وسهل الاستخدام للمستخدمين، وذلك من خلال ترجمة وصف المشكلة بلغة طبيعية إلى شكلٍ يمكن للحلّال الرياضي معالجته. ويُعدّ الحلّال أداةً رياضيةً تُفحص بدقةٍ إمكانية إشباع المعايير وكيفية ذلك، لكنه يتطلّب برمجةً حاسوبيةً معقدة. وهنا يأتي دور نماذج اللغات الكبيرة كـ”مترجم” بين المستخدم والحلّال، مما يُسهّل العملية على المستخدمين دون الحاجة إلى معرفة البرمجة أو البحث في خيارات السفر.
آلية عمل الإطار: أربع خطوات متكررة
يعمل “وكيل السفر” الذكي على أربع خطوات قابلة للتكرار حسب الحاجة، باستخدام نماذج لغات كبيرة مثل GPT-4 أو Claude-3 أو Mistral-Large:
-
تحليل الطلب: تُحلّل نموذج اللغة الكبيرة طلب المستخدم، مُحدّدةً تفضيلاته فيما يتعلق بالميزانية، والفنادق، ووسائل النقل، والوجهات، والمعالم السياحية، والمطاعم، ومدة الرحلة، بالإضافة إلى أي قيود أخرى.
-
تحويل الطلب إلى شفرة: تُحوّل هذه التفضيلات إلى شفرة برمجة بايثون قابلة للتنفيذ، مع تعليقات توضيحية بلغة طبيعية لكل قيد. وتُستخدم واجهات برمجة التطبيقات (APIs) مثل CitySearch و FlightSearch لجمع البيانات.
-
حلّ المشكلة: يُستخدم حلّال إشباع القيود (SMT Solver) لتنفيذ الخطوات المُحدّدة في مشكلة إشباع القيود. إذا تمّ العثور على حلٍّ صحيح وكامل، يُخرِج الحلّال النتيجة إلى نموذج اللغة الكبيرة، الذي يُقدّم بدوره مسار رحلة مُنسّق للمستخدم.
-
التعامل مع القيود غير القابلة للإشباع: إذا تعذّر إشباع قيدٍ أو أكثر، يبدأ الإطار في البحث عن حلول بديلة. يُخرِج الحلّال شفرةً تُحدّد القيود المتضاربة، مع تعليقاتها التوضيحية، والتي تُقدّمها نموذج اللغة الكبيرة للمستخدم مع اقتراحاتٍ لعلاج المشكلة. يمكن للمستخدم حينها قبول أو رفض أو تعديل هذه الاقتراحات حتى الوصول إلى حلٍّ صالح، أو الوصول إلى الحد الأقصى لعدد التكرارات.
التقييم والأداء: نتائج واعدة
أظهرت الاختبارات التي أجريت باستخدام مجموعة بيانات TravelPlanner، تفوّق الأسلوب الهجين المُقترح بشكلٍ واضح على الأساليب الأخرى، حيث حقّق نسبة نجاحٍ تجاوزت ٩٠٪ في إشباع جميع القيود، مُقارنةً بنسبٍ أقلّ من ١٠٪ للأساليب التقليدية. كما أظهرت التجارب على مجموعات بيانات إضافية، مثل UnsatChristmas، قدرة الإطار على التعامل مع قيودٍ جديدة وغير مُشاهدة، مع نسب نجاحٍ مرتفعة.
التعميم والتطبيقات: أكثر من مجرد تخطيط رحلات
تمّ تطبيق الإطار على مجالاتٍ أخرى، مثل اختيار الكتل، وتخصيص المهام، ومشكلة بائع الجوالات، وإدارة المستودعات، مُظهراً مرونةً وقابلية للتعميم.
الخلاصة: إطار عمل مُبتكر وواعد
يُمثّل هذا الإطار العمل المُبتكر نهجاً واعداً في حلّ مشكلات التخطيط المعقدة، من خلال الجمع بين قدرات نماذج اللغات الكبيرة ودقة الحلّالات الرياضية، مما يُوفّر حلولاً فعّالةً وسهلة الاستخدام للمستخدمين.
اترك تعليقاً