تقنية “SustainaPrint”: نحو طباعة ثلاثية الأبعاد أكثر استدامة مع الحفاظ على المتانة
مقدمة
شهدت تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد تطوراً ملحوظاً منذ اختراعها عام 1983 على يد تشاك هول، والذي ابتكر تقنية التصوير المجسم الضوئي (Stereolithography). وقد تطورت هذه التقنية من مجرد فضول تجريبي إلى أداة قادرة على إنتاج منتجات متنوعة، بدءاً من الأطراف الاصطناعية المخصصة وصولاً إلى تصاميم غذائية معقدة، ونماذج معمارية، بل وحتى أعضاء بشرية وظيفية. ومع ذلك، ومع تطور هذه التقنية، برزت آثارها البيئية السلبية. فمعظم عمليات الطباعة ثلاثية الأبعاد، سواءً الاستهلاكية أو الصناعية، تعتمد على خيوط بلاستيكية مشتقة من البترول. وبالرغم من وجود بدائل أكثر استدامة مصنوعة من مواد قابلة للتحلل الحيوي أو المعاد تدويرها، إلا أنها تعاني من عيب رئيسي: قلة المتانة. فغالباً ما تصبح هذه الخيوط هشة تحت الضغط، مما يجعلها غير مناسبة للتطبيقات الإنشائية أو الأجزاء الحاملة للأحمال، وهي المواقع التي تتطلب قوة ومتانة عالية.
تحدي التوفيق بين الاستدامة والأداء الميكانيكي
أدى هذا التعارض بين الاستدامة والأداء الميكانيكي إلى دفع باحثين من مختبر علوم الكمبيوتر والذكاء الاصطناعي (CSAIL) في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) ومعهد هسو بلاتنر لطرح السؤال التالي: هل من الممكن بناء أجسام ثلاثية الأبعاد صديقة للبيئة إلى حد كبير، ولكنها قوية في المناطق الحيوية؟
نظام SustainaPrint: الحل المبتكر
جاءت الإجابة على شكل “SustainaPrint”، وهي مجموعة أدوات برمجية وعتادية جديدة مصممة لمساعدة المستخدمين على دمج الخيوط القوية والضعيفة بشكل استراتيجي لتحقيق أفضل النتائج. بدلاً من طباعة الجسم بالكامل باستخدام البلاستيك عالي الأداء، يقوم النظام بتحليل النموذج من خلال عمليات محاكاة تحليل العناصر المحدودة (Finite Element Analysis)، ويتنبأ بالمناطق الأكثر عرضة للضغط، ثم يعزز هذه المناطق فقط باستخدام مادة أقوى. ويمكن طباعة باقي الأجزاء باستخدام خيوط صديقة للبيئة وأضعف، مما يقلل من استخدام البلاستيك مع الحفاظ على سلامة الهيكل.
التجارب والنتائج
استخدم الفريق في تجاربه خيوط Polymaker’s PolyTerra PLA كخيوط صديقة للبيئة، وخيوط PLA القياسية أو المتينة من Ultimaker للتدعيم. وقد استخدموا نسبة تدعيم 20% لإظهار أن كمية صغيرة من البلاستيك القوي تكفي لتحقيق نتائج كبيرة. باستخدام هذه النسبة، تمكن نظام SustainaPrint من استعادة ما يصل إلى 70% من قوة الجسم المطبوع بالكامل باستخدام البلاستيك عالي الأداء. وقد طبع الفريق عشرات الأجسام، بدءاً من الأشكال الميكانيكية البسيطة مثل الحلقات والعوارض وصولاً إلى أدوات منزلية أكثر وظيفية مثل حوامل سماعات الرأس، وخطافات الجدار، وأصص النباتات. تم طباعة كل جسم بثلاث طرق: مرة باستخدام خيوط صديقة للبيئة فقط، ومرة باستخدام PLA قوي فقط، ومرة باستخدام تكوين SustainaPrint الهجين. ثم تم اختبار الأجزاء المطبوعة ميكانيكياً عن طريق سحبها أو ثنيها أو كسرها لقياس مقدار القوة التي يمكن لكل تكوين تحملها.
في العديد من الحالات، تحملت المطبوعات الهجينة تقريباً نفس قدر المطبوعات المصنوعة من مواد قوية بالكامل. فعلى سبيل المثال، في اختبار تضمن شكلاً يشبه القبة، تفوقت النسخة الهجينة على النسخة المطبوعة بالكامل من PLA المتين. ويعتقد الفريق أن هذا قد يرجع إلى قدرة النسخة المعززة على توزيع الضغط بشكل أكثر اتساقاً، مما يتجنب الفشل الهش الذي تسببه أحياناً الصلابة المفرطة.
مجموعة أدوات الاختبار
وإدراكاً لضرورة إجراء اختبارات سهلة المنال ومنخفضة التكلفة، قام الفريق أيضاً بتطوير مجموعة أدوات اختبار “افعلها بنفسك” (DIY) لمساعدة المستخدمين على تقييم القوة قبل الطباعة. تحتوي المجموعة على جهاز قابل للطباعة ثلاثية الأبعاد مع وحدات لقياس كل من القوة الشد وقوة الانثناء. يمكن للمستخدمين ربط الجهاز بأشياء شائعة مثل قضبان السحب أو الموازين الرقمية للحصول على مقاييس أداء تقريبية ولكنها موثوقة. قام الفريق بمقارنة نتائجه مع بيانات الشركة المصنعة ووجد أن قياساته تقع باستمرار ضمن الانحراف المعياري الواحد، حتى بالنسبة للخيوط التي خضعت لدورات إعادة تدوير متعددة.
المستقبل
يخطط الباحثون لإصدار SustainaPrint كمصدر مفتوح، مما يجعل كل من البرنامج ومجموعة أدوات الاختبار متاحة للاستخدام والتعديل العام. كما أنهم يطمحون إلى إطلاق مبادرة تعليمية، حيث يمكن استخدام SustainaPrint في الفصول الدراسية ليس فقط كأداة، بل كوسيلة لتعليم الطلاب عن علوم المواد، والهندسة الإنشائية، والتصميم المستدام، كل ذلك في مشروع واحد.
الخلاصة
مع ازدياد استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد في التصنيع وإنشاء النماذج الأولية لكل شيء، من السلع الاستهلاكية إلى معدات الطوارئ، ستزداد المخاوف المتعلقة بالاستدامة. بفضل أدوات مثل SustainaPrint، لم تعد هذه المخاوف بحاجة إلى أن تأتي على حساب الأداء. بل يمكن أن تصبح جزءاً من عملية التصميم: مدمجة في هندسة الأشياء التي نصنعها.
اترك تعليقاً