تطوير أداة ذكاء اصطناعي لتحسين اختيار سلالات لقاح الإنفلونزا
مقدمة
يواجه خبراء الصحة العالمية سنوياً تحدياً بالغ الأهمية يتمثل في اختيار سلالات فيروس الإنفلونزا التي ستُضمّن في لقاح الموسم التالي. يجب اتخاذ هذا القرار قبل شهور من بدء موسم الإنفلونزا، مما يجعله أشبه بسباقٍ مع الزمن. فإذا تطابقت السلالات المُختارة مع تلك التي تنتشر فعلياً، فمن المرجح أن يكون اللقاح فعالاً للغاية. أما إذا كان التنبؤ غير دقيق، فقد ينخفض مستوى الحماية بشكل كبير، مما يؤدي إلى انتشار الأمراض (التي كان بالإمكان الوقاية منها) وإرهاقٍ على أنظمة الرعاية الصحية. وقد زاد هذا التحدي تعقيداً خلال جائحة كوفيد-19، حيث ظهرت متحورات جديدة بالتزامن مع طرح اللقاحات. ويتصرف فيروس الإنفلونزا بطريقة مماثلة، إذ يتحور باستمرار وبشكلٍ غير متوقع، مما يجعل من الصعب التنبؤ بسلوكه وتصميم لقاحات فعالة.
نظام فاكسير: نهجٌ جديد قائم على تعلم الآلة
للتخفيف من هذه المشكلة، عمل باحثون في مختبر علوم الحاسوب والذكاء الاصطناعي (CSAIL) وعيادة عبد اللطيف جميل للتعلم الآلي في الصحة بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) على تطوير نظام ذكاء اصطناعي يُسمى “فاكسير” (VaxSeer) لزيادة دقة اختيار اللقاحات والحد من الاعتماد على التخمين. يستخدم فاكسير نماذج التعلم العميق المُدرّبة على بياناتٍ تمتد لعقود من تسلسلات الفيروسات ونتائج الاختبارات المخبرية، وذلك لمحاكاة تطور فيروس الإنفلونزا وكيفية استجابة اللقاحات له.
منهجية فاكسير: التنبؤ بالهيمنة المناعية وفعالية اللقاح
يعتمد فاكسير على نموذج لغوي للبروتينات لتعلم العلاقة بين هيمنة سلالة معينة و التأثيرات المشتركة للطفرات، على عكس النماذج التقليدية التي تحلل تأثير طفرة الحمض الأميني الواحدة بشكلٍ مستقل. كما أنه يُنمذج التحولات الديناميكية في الهيمنة، مما يجعله أكثر ملاءمة للفيروسات سريعة التطور مثل الإنفلونزا.
يتألف فاكسير من محركين للتنبؤ:
- محرك التنبؤ بالهيمنة: يُقدّر احتمالية انتشار كل سلالة فيروسية.
- محرك التنبؤ بالاستجابة المناعية: يُقدّر مدى فعالية اللقاح في تحييد السلالة الفيروسية.
يُنتج المحركان معاً درجة تغطية متوقعة، وهي مقياسٌ يُشير إلى مدى فعالية لقاح معين ضد الفيروسات المستقبلية. تقترب هذه الدرجة من الصفر كلما زادت مطابقة اللقاح للفيروسات المتداولة.
تقييم أداء فاكسير
أجرى الباحثون دراسة استرجاعية على مدار 10 سنوات، وقارنوا توصيات فاكسير بتوصيات منظمة الصحة العالمية (WHO) لنوعين رئيسيين من الإنفلونزا: A/H3N2 و A/H1N1. فقد تفوقت توصيات فاكسير على توصيات منظمة الصحة العالمية في تسع من أصل عشر مواسم بالنسبة لنوع A/H3N2، وفي ستة من أصل عشر مواسم بالنسبة لنوع A/H1N1. كما أظهرت تنبؤات النموذج ترابطاً قوياً مع تقديرات فعالية اللقاحات في العالم الحقيقي.
آلية عمل فاكسير
يُقدّر فاكسير أولاً سرعة انتشار السلالة الفيروسية باستخدام نموذج لغوي للبروتينات، ثم يُحدد هيمنتها من خلال مراعاة التنافس بين السلالات المختلفة. بعد ذلك، تُستخدم هذه المعلومات في إطار رياضي قائم على المعادلات التفاضلية العادية لمحاكاة انتشار الفيروس بمرور الوقت. أما بالنسبة للاستجابة المناعية، فيُقدّر النظام مدى فعالية سلالة لقاح معينة في اختبار معملي شائع يُسمى اختبار تثبيط التراصّ الدموي.
الاستنتاجات والتطلعات المستقبلية
يُمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي مثل فاكسير أن تساعد المسؤولين الصحيين على اتخاذ قرارات أفضل وأسرع، والبقاء سباقاً لتطور الفيروسات. يُركز فاكسير حالياً على بروتين الهيماغلوتينين (HA) فقط، لكن الإصدارات المستقبلية قد تتضمن بروتينات أخرى وعوامل أخرى مثل التاريخ المناعي، وقيود التصنيع، أو مستويات الجرعة. كما أن تطبيق النظام على فيروسات أخرى يتطلب مجموعات بيانات كبيرة وعالية الجودة، وهو ما لا يتوفر دائماً. ويعمل الفريق حالياً على تطوير أساليب للتنبؤ بتطور الفيروسات في ظل محدودية البيانات. يُعدّ فاكسير محاولةً لمواكبة سرعة تطور الفيروسات، وفتح آفاق جديدة للتنبؤ بتطور الأمراض وتصميم التدخلات السريرية قبل تفشيها.
اترك تعليقاً